أراء حرة

“داعش” استغل الفقر وشوه الإسلام بدعوى باطلة

بقلم/ أسامة داوود

لست مقتنعًا البتة أن منتسبي تنظيم الدولة “داعش” كلهم مقتنعون بمنهجه وأفكاره وأفعاله، خصوصا من فئة الشباب، ويلوح في ذهني دائما سؤال كيف ينظم الشباب إلى هذا التنظيم الذي يدعي انتهاج الشريعة الإسلامية وأفعاله وجرائمه بعيدة كل البعد عن الإسلام، هذا التنظيم الذي يجز روؤس مخالفيه لأبسط وأتفه الأسباب ولم يسلم منه الكبير والصغير، كيف يمكن لشباب يعيش القرن الواحد والعشرين في ظل التطور والتكنولوجيا والانفتاح الانضمام إلى تنظيم يرجع بهم إلى عصور قديمة بدعوى باطلة، وينفذون أوامره وتعليماته حرفيًا.

رددت على نفسي بجواب وجدته الأقرب إلى التصديق وأكثر واقعية ألا وهو “الفقر” أولًا، ومن ثم تأتي يليه أسباب أخرى لانضمام الشباب إلى داعش وهو الجهل وقلة المعرفة وحب السطوة وغيرهم ممن يحلم بإقامة دولة إسلامية أي أنه مقتنع ومُصدق لهذا الحلم ويسعى إلى تحقيقه ناسيًا أو متناسيًا أفعاله التي لا يقبلها إسلامنا السمح ولا كافة الأديان السماوية ولا الأعراف والقوانين البشرية، وأرجع البعض أسباب انضمام الشباب إلى هذا التنظيم هو تلاعبه بعواطف هذه الشريحة العمرية، حيث يُصدر لهم الفكر المتطرف من خلال وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة، مثل يوتيوب وتويتر وفيس بوك وإنستغرام، فضلا عن استغلال شوق الشباب إلى القيادة؛ فيعلن أنه لا يميز في عملية الترقي بداخله بين المقاتلين المحليين والأجانب، فالعبرة بثبوت الولاء وامتلاك المؤهلات والقدرات المطلوبة.

وأشارت تقارير أخرى إلى أنه يتم إغراء الشباب بالمرتبات والمزايا التي تمنح لهم حيث رواتب عناصر تنظيم “داعش” في ليبيا تتراوح ما بين 800 دولار كحد أدنى و6 آلاف دولار، وذلك قبل التخفيض، الذي قرر التنظيم تطبيقه خلال الفترة الأخيرة بسبب ما وصفها بأنها “ظروف استثنائية”، أما رواتب عناصر “داعش” في سوريا فكانت تتراوح ما بين 400 و 1200 دولار شهريا، بالإضافة إلى 50 دولارا معاشا لزوجاتهم، و 25 دولار لكل طفل، وهذا يعتبر نصف ما يأخذه نظائرهم في ليبيا، وكان مقاتلو “داعش” في سوريا، عبروا عن استياؤهم بعد خفض رواتبهم، لاعتقادهم أن هذا التخفيض أتى بناء على رغبة قيادات التنظيم، في رفع أجور المقاتلين العرب والأجانب، على حساب المقاتلين السوريين المحليين.

وفي ليبيا – على سبيل المثال – التي تعتبر ملجأً وملاذًا لعدد كبير من المهاجرين الفارين من بلدانهم نتيجة الفقر وضيق الحال تعتبر هذه المبالغ مبالغ مغرية لانضمام المقاتلين من الشباب -ليبيون وأجانب –  في صفوف تنظيم الدولة “داعش” قد لا يكون هذا الانضمام لقناعة أو اعتناقًا لمنهجهم “الضال” بل لرغبتهم في كسب الأموال والمنح، والمُقاتل الأجنبي يعلم أن له من الأموال والمزايا أكثر من المقاتل الليبي في بلد يشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار العملات الأجنبية “الدولار واليورو” أمام الدينار الليبي في السوق الموازية “السوق السوداء” حيث تجاوز سعر الصرف للدولار الواحد 6 دينار.

وزد على ذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية في ليبيا وانتشار البطالة فضلا عن نقص السيولة وارتفاع الأسعار ووصول البعض إلى قناعة أن الحال يتجه إلى الأسوأ فضلا عن أن البعض يبحث عن النفوذ والتسلط وحب السيطرة، وضعف المناعة الفكرية ومحدودية المعرفة، وأخيرا لرغبة البعض الآخر أو لقناعتهم في إقامة دولة إسلامية مثالية، أو نيل الشهادة، هذه الأسباب قد تكون الدافع لانضمام الشباب إلى تنظيم “داعش”.

ولايمكن الجزم أن الفقر أو تدهور الوضع الاقتصادي هو السبب الوحيد لانضمام الشباب إلى تنظيم “داعش” حيث أن هناك أشخاص ميسوري الحال انضموا إلى التنظيم الإرهابي “أفراد وقيادات” وهؤلاء قد يكون سبب انضمامهم إما لقناعتهم بقيام ما يروا أنه “دولة إسلامية” آو كما أسلفت الذكر لضعف المناعة الفكرية ومحدودية المعرفة أي أنه تم التغرير بهم للانضمام إلى هذه الجماعة التي ترفع شعارات دولة الإسلام زورًا وبهتانًا.

وظهور هذا التنظيم في الوجود كان له أثرًا سلبيًا على الإسلام والمسلمين إذا أصبح العالم أجمع يربط الإسلام بهذا التنظيم الإرهابي “الهمجي” وأصبح الإسلام هو الدين الدموي الذي يدعو إلى القتل والتفجير وإرهاب المدنيين الآمنين، وكان له تداعيات في محاربة المسلمين المتواجدين في الدول الأوربية حيث تعرض بعضهم للقتل وآخرين للتهديد وغيرهم للسجن والتحقيق لمجرد أن أسماءهم تدل على أنهم مسلمون أو لأن هيآتهم توحي بأنهم مسلمون وحتى إن كان هؤلاء الأشخاص “صالحون” أصبح يُنظر لهم على أنهم مصدر خطر ولابد من أخذ الحيطة والحذر منهم فقط لأنهم مسلمون إذا أصبح كل مسلم “داعشي” بحسب وجهة نظر تلك الدول التي يقطنون بها.

وسُجلت حالات إيقاف واعتقال لمسلمين في الطائرات والمطارات لأنهم تكلموا بالعربية، واستجوب شخص عراقي قال “السلام عليكم” في الهاتف قبل إقلاع الطائرة، واعتقل شخص آخر في أمريكا لعدة ساعات لأن إحدى الراكبات اشتبهت في أنه “مسلم”، وامرأة يصدمها شخص بسيارته في بروكسل لأنها ترتدي الحجاب في حي تقطنه غالبية مسلمة وهذا الحي خرج منه عدد من منفذي هجمات باريس ولهم علاقة بهجمات بروكسل، وغيرها الكثير من الحوادث والاعتداءات التي تعرض لها المسلمون نتيجة أفعال تنظيم “داعش” وهذا ماجلبه على الإسلام والمسلمين، فعن أي “دولة الإسلام” يتحدثون.

 

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى