إقتصادالأخبارتقاريرليبيا

الخبير المالي سليمان الشحومي: السعر الحالي للدينار سعر مضاربة والتجار يخوضون صراع كسر عظم مع المصرف المركزي

أخبار ليبيا 24 – خاص

قال الخبير المالي مؤسس ورئيس سوق المال الليبي السابق سليمان الشحومي، إن السعر الحالي للدينار الليبي مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء سعر مبالغ فيه وأن هناك صراع “كسر عظم” بين التجار والمصرف المركزي الليبي.

وأكد الشحومي في لقاء خاص لـ “أخبار ليبيا 24” أن تعويم الدينار الليبي أمر غير واقعي ويستغرب من عدم تغطية ايرادات الجمارك لمرتبات الموظفين بمصلحة الجمارك داعيا إلى تحسين الجباية المحلية وتحصيل الضرائب والجمارك.

وفي ما يلي نص الحوار:-

س/يواصل الدينار الليبي انهياره مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء.ماسبب ذلك؟

ج/ الانخفاض بالدرجة الاولى يحدث في السوق الموازي الذي يقوده تجار العملة ومبنى على جزئيتين احداهما تقوم على أحداث واقعية وأخرى على أحداث غير واقعية مرتبطة بحالة التفاؤل والتشاؤم. دعنا نفسر ذلك بشكل أوضح الآن تسود حالة تشاؤم كبيرة في الوضع الليبي خصوصا مع انسداد الأفق السياسي وعدم وجود دولار كثير معروض ما يدفع بالتجار إلى رفع اسعاره مقابل الدينار الليبي.

الجزئية الواقعية مبنية على كمية النقد الليبي وكما نعرف أن العملة الليبية مغرقة بها السوق خاصة بعد طبع العملة من قبل المصرف المركزي في البيضاء وتوالي الإصدرات من طرف المصرف المركزي في طرابلس وكلها كميات تُضخ ما يرفع من كمية المعروض من العملة المحلية.

والنقطة الأخرى هي أن المصرف المركزي أوقف فتح الاعتمادات المستندية التي يعتمد عليها التجار في استيراد السلع والبضائع وأصدر مؤخرا منشورا يحدد هذه السلع في الأدوية والمواد الغذائية وبالتالي يتجه التجار لتسعير يقية السلع بسعر السوق السوداء وهذه كل عوامل تؤثر في سعر الدينار في السوق السوداء. مصرف ليبيا المركزي لا يهتم كثيرا بالسوق السوداء في الظروف الحالية التي يواجهها الاقتصاد الليبي.

س/ما السعر الحقيقي للدينار أمام الدولار الأمريكي؟ هل السعر الحالي حقيقي في ظل حالة عدم التفاؤل الموجودة؟

ج/ ليس سعرا حقيقيا بل مبالغ فيه وهو سعر مضاربة فالتجار لديهم كمية محدودة من الدولار وأصبح عليها طلب متصاعد في ظل عدم عرض المصرف المركزي كميات كبيرة منه عبر الاعتمادات والحوالات وهي في غالبها عبارة عن ما يسمى بصراع كسر العظم بين التجار والمصرف ومحاولة من الضغط الشديد على المصرف ليضخ دولارات اكثر لتحسين الاقتصاد الليبي.

المشكلة أن المواطن عندما يشكو من غلاء الأسعار يجيبه التجار بأن الدولار سعره مرتفع في السوق السوداء ورغم أن المركزي فتح مؤخرا اعتمادات بقيمة مليارين ونصف لكن تاثيرها كان محدود جداً لأن كثير من التجار يورد بضاعته بسعر رسمي( سعر الاعتماد المستندي) وعينه على السوق السوداء فيقوم بالتسعير بها أو يعتمد متوسط السعر بين السعر الرسمي والسعر في السوق السوداء ما يتسبب برفع أسعار البضائع. وهذه مشكلة كبيرة لأن السوق الموازي هو دائما من يقود الأسعار حتى لو تم توريد البضاعة بالسعر الرسمي والمواطن يهتم بالدولار من باب ارتفاع الأسعار وبالتالي يجب أن يكون حل ولو مؤقت لغلاء الأسعار في هذا الوضع غير المستقر ووجود صراع سياسي كبير وغياب رؤية اقتصادية ونحن نعرف أن المصرف المركزي عنده احتياطيات لا بأس بها ويمكن الإستعانة بها في حل المشكلة الاقتصادية ولكن فقدان الأدوات الاقتصادية التي تنظم الاقتصاد وفقدان الادارة الاقتصادية لمؤسسات الدولة سواء كانت الموانئ أو الضرائب أو مصلحة الجمارك أو وزارة الاقتصاد بحيث ترخص وتنظم من يقوم بالاستيراد وما هي السلع التي يجب أن يتم استيرادها وتسعر السلع فهناك حلقات كثيرة مفقودة ونحن نلقي اللوم كثيرا على المصرف المركزي ولكن هناك أطراف أخرى مهمة ومشاركة في صناعة القرار الاقتصادي وهي لا تعمل بل معطلة وبالتالي يستغل التجار السوق السوداء وكل الأوضاع المضطربة ويعملون على التحكم بشكل منفرد بأسعار الدولار وما يترتب عليه من ارتفاع في أسعار السلع.

س/ يتداول الشارع الليبي مصطلح تعويم العملة خاصة بعد ما جرى في دولة مصر المجاورة, هل تعويم العملة المحلية حل واقعي للازمة الليبية؟

الناس تعتقد أن أمرا طبق في بلد أخر يصلح في ليبيا. التعويم لا يمكن أن ينجح في ليبيا لأن له اشتراطات أساسية أولها توفر كمية من الدولار النقدي بحيث يقابل الطلب عليه مهما كان هذا والمصرف المركزي لا يوجد لديه دولار وكل دولاره موجود خارج ليبيا وبحسب ما يصرح المصرف بأنه غير قادر على توريد الدولار الحي أو النقدي لخزائنه لمواجهة الطلب المرتفع عليه وبالتالي تعويم العملة يحتاج إلى توفير الدولار لدى المصرف المركزي بحيث يتدخل ويلبي أي طلب في السوق ويحتاج لوجود حكومة تقوم بجملة من السياسيات المالية أو ما تعرف بالاجراءات المالية مثل تخفيض الدعم أو الغائه أو استبداله وايضا استخدام ما يسمى باصدار السندات أو أدوات الدين إذا كان لديها عجز في الموازنة.

وكل هذه الأدوات مفقودة بسبب عدم وجود حكومة واحدة وكل ما هو موجود في الساحة لا يستطيع تقديم أي برنامج اقتصادي يقوم على استخدام هذه الأدوات المالية التي من الممكن أن تكون مصاحبة لأي عملية تعويم للدينار الليبي, زد على ذلك أن دولة مثل ليبيا اقتصادها ريعي يعتمد على مورد وحيد هو النفط لا يمكن فيها تعويم الدينار لأن ذلك يلزمه وجود موارد أخرى للعملة الأجنبية وتنوع اقتصادي كأن تكون هناك موارد للعملة الأجنبية من قطاع السياحة أو الصناعة أو الزراعة أو بتصدير السلع لأن الاعتماد على الدولار القادم عبر بيع النفط يحمل مخاطرة عالية لأن ذلك يتحكم فيها سعر النفط العالمي الذي إذا انخفض في لحظة ما قد يؤدي لعجزك وعدم مقدرتك على تلبية الطلب على الدولار بشكل كبير كما هو حاصل الآن في ليبيا.

س/ رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله صرح للوفود في اجتماع لندن أن اقصى ايراد يمكن تحقيقه من النفط والغاز عام 2017 هو 15 مليار دولار.كيف تقرأ هذا التصريح وكيف يمكن تغطية بقية العجز في الميزانية؟
ج/ بالتأكيد لدينا كم من الإيرادات لا يكفي لتغطية مصروفاتنا التي كنا متعودين على انفاقها في السنوات الماضية وهذا المبلغ لا يكفي وحده حتى لتغطية بند المرتبات وبالتالي يجب أن نمتلك برنامج لموازنة حكومية جديدة يراعى فيها الحد الأقصى من ايرادات النفط لكن يجوز للحكومة أن تغطي إذا كان لديها عجز عن طريق الدين العام بالاستدانة من المصارف أو الأفراد لكن من أجل القيام بالاستدانة يجب توفر نظام مصرفي سليم وليس نظام مصرفي مشلول غير قادر على توفير الدينار لأصحاب الطلبات على أموالهم ومن هنا نحن سنقع في مشكلة في كيفية تغطية العجز في حال أقرت ميزانية ومن سيقوم باقرارها فوفق القانون توجب على البرلمان اقرار موازنة موحدة للبلد. لقد دخلنا نهاية العام ولم يتم اعتماد موازنة للعام القادم 2017 لذلك يجب على كل مسؤول أن يستشعر حجم المسؤولية والوضع الخطير الذي يحتاج إلى اتخاذ إجراءات في اقرار الموازنة وتحديد سبل تغطية العجز وهذا يحتاج وجود حكومة واحدة قادرة على العمل مع السلطة التشريعية ومع المصرف المركزي باعتباره السلطة النقدية لحل المشاكل والسير نحو وضع اقتصادي مستقر.

س/ ماذا عن الاحتياطي من العملة الاجنبية,,هل تؤيد التصرف فيه أم أن لذلك مخاطر على الوضع المالي الصعب أصلا؟

ج/ الاحتياطيات فنيا لا تستخدم لتغطية العجز بل لتغطية التعاملات الخارجية كالاعتمادات والتحويلات والمصرف المركزي بما لديه من قدرة يمكن تسميتها بالقدرة على “خلق النقود” باستطاعته تدبير الموارد المالية اللازمة لتغطية العجوزات الموجودى لدى الحكومة عبر اقراض الحكومة. بمعنى أن المصرف المركزي وفق القانون المالي الليبي يقرض الحكومة في حال وجود عجز على أن ترجع الحكومة قيمة القرض عند توفر الإيرادات سواء كانت محلية كالضرائب والجمارك والرسوم أو كانت إيرادات دولية كبيع النفط والغاز. نحن يجب أن لا نركن إلى ما هو موجود لدى المصرف المركزي بل يجب أن تكون لدينا حكومة قادرة على تحصيل الإيرادات المحلية فكما نعرف أن ليبيا تستورد بأرقام كبيرة جداً تصل سنويا إلى 20 مليار دولار في حين أن إيرادات الجمارك خلال العام الماضي لم تحقق حتى 5% من هذا المبلغ وهناك فساد كبير في تحصيل إيرادات الجمارك بدليل أن تقرير ديوان المحاسبة أشار إلى أن إيرادات مصلحة الجمارك للعام 2015 لم تغطي حتى مرتبات العاملين في المصلحة وهذه كارثة إذا لا يوجد إيراد للجمارك وليبيا مفتوحة وكل يوم تدخل البضائع من الخارج ولدينا استيراد يفوق 20 مليار دولار.

ومصلحة الضرائب شبه معطلة تماما بإستثناء ضرائب المرتبات البسيطة جدا والتي تستقطع من المنبع على عكس بقية الضرائب الأخرى المعطلة ولا يوجد لها تحصيل حقيقي كما لا يوجد تحصيل للرسوم الأخرى كرسوم البلدية وبالتالي فإيراداتك المحلية مضمحلة وفي أدنى مستوياتها. لابد من تحسين الجباية المحلية وتحسين الدخل المحلي الذي سيساعد الميزانية على القيام بواجبها في الإنفاق سواء كان على المرتبات أو على المصروفات الحكومية.

س/ما رأيك في موافقة المصرف المركزي طرابلس على الإفراج عن 11 مليار دينار لصالح المجلس الرئاسي في اجتماع لندن؟ولماذا لم يسيلها في المصارف للمواطنين؟
ج/ لم يعلن المصرف المركزي تعهده بتوفير مبلغ ال11 مليار وما جرى الحديث عنه هو طلب المجلس الرئاسي موازنة في حدود 11 مليار حتى يتمكن من الإنفاق على أوجه الإنفاق المختلفة ولكن هذه الموازنة المطلوبة تصطدم بواقع أساسي وقانوني وهو أن مثل هذه الموازنات يجب أن تعتمد عبر البرلمان باعتباره السلطة التشريعية وبالتالي هذا أمر يحتاج المرور عبر البوابة التشريعية ولا يستطيع المصرف المركزي في تقديري توفير مثل هذه المبالغ دون وجود سند قانوني وإلا سيتحمل مسؤولية تبعات اتخاذ مثل هذه الخطوات. ما يمكن للمجلس الرئاسي القيام به هو وما يمكن أن يوفر لها المصرف المركزي هي ميزانية الطوارئ وهي في حدود المليار ونصف والتي تستند على الميزانية المقررة سابقا والخاصة بالعام الماضي.

لدينا أزمة مرتبكة أو مزدوجة في ليبيا وهي أزمة صلاحيات وتخويلات ومن يقر الميزانيات وأزمة في توافر الدينار الليبي المسماة بأزمة السيولة ذلك أن الدينار كله منسحب خارج الإطار المصرفي بقرابة 27 مليار دينار وهذا ما على المصرف المركزي العمل على معالجته وارجاع النقود للمصارف حتى يتمكن من تدوير عجلة الاقتصاد وتوفير المبالغ اللازمة لمقابلة المرتبات ونحن نعرف أن ليبيا تحتاج شهريا إلى حوالي 2 مليار دينار للمرتبات في كل ليبيا وهذا رقم كبير يحتاج إلى سيولة مع استمرار هروب الأموال من المصارف يصبح هناك عجز كبير في توفير المبالغ اللازمة لتغطية المرتبات والتي سببت الازدحام وعدم حصول الناس على الأموال لكي تنفق منها.

الحقيقة أن المشكلة هي مشكلة مركبة وليست لها واجهة اقتصادية فقط بل لها أيضا واجهة سياسية أو إجرائية أو صلاحية بحاجة إلى فك طلاسمها وتوحيد البلد في مؤسسات قانونية ورسمية واحدة لها صفة الشرعية حتى تتمكن من اقرار الميزانية والإنفاق.

المزيد من الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى